بعد أن كتب الله النصر للمؤمنين في غزوة حنين ، توجه رسول الله صلى الله
عليه وسلم في شوال عام 8هـ قاصداً الطائف يريد فتحها ، وانتدب لتلك المهمة خالد بن
الوليد رضي الله عنه ؛ حيث جعله على مقدمة الجيش ، وطلب منه أن يسير أولاً
لمحاصرتها .
وكانت قبيلة ثقيف - وهم أهل الطائف- قد حصنت مواقعها ، وأعدت
عدتها ، وتهيأت للقتال ، والدفاع عن أرضها .
ولما وصل رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى الطائف نزل قريباً من الحصن ، وأقام معسكره فيه ، فانتهزت ثقيف الفرصة ،
وأخذت توجه سهامها إلى معسكر المسلمين ، فأصابت منهم اثنا عشر رجلاً ، كان منهم :
عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنه الذي استشهد على أثر رمية أصابت منه
مقتلاً.
واستمر حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم للطائف قرابة أربعين
يوماً ، تخللها العديد من المناوشات بين المسلمين والمشركين ، ورغبة في إضعاف
معنويات ثقيف ، أخذ المسلمون في تحريق نخلهم ، فناشدوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يدعها لله وللرحم ، فاستجاب لهم ، ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر" ، فخرج منهم بضعة عشر رجلاً ،
فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودفع كل رجلٍ منهم إلى رجلٍ من المسلمين
ليقوم بشأنه واحتياجاته.
ولما طال الحصار ، وأصيب عدد من المسلمين استشار
الرسول صلى الله عليه وسلم بعض القوم ، ثم قرر رفع الحصار والرحيل ، فعن عبد الله
بن عمرو قال :حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ، فلم ينل منهم شيئا ،
فقال ( إنا قافلون إن شاء الله ، قال أصحابه : نرجع ولم نفتتحه ، فقال لهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم : اغدوا على القتال ، فغدوا عليه فأصابهم جراح ، فقال لهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا قافلون غدا ، فأعجبهم ذلك، فضحك رسول الله صلى
الله عليه وسلم )رواه البخاري ومسلم .
وتروي كتب السير أن بعض الصحابة أتوا
رسول الله وقت الحصار ، وقالوا : يا نبي الله ، ادعُ الله على ثقيف ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ( اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم ).
ثم أذن مؤذن رسول الله
بالرحيل ، فرحل الجيش وهم يقولون ( آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ) .
وهكذا
عاد المسلمون من غزوة الطائف ، منتصرين وإن لم يفتحوا الحصن ، منتصرين بإيمانهم ،
وثباتهم ، وصبرهم ، إضافة لما حصل من استسلام بعض أهل الطائف وإسلامهم .
ومما
يستفاد من هذه الغزوة سرعة استجابة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعد
غزوة حنين مباشرة ساروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لنشر دعوتهم ،
ومواجهة المعارضين لها ، والواقفين في سبيلها .
ويستفاد أيضاً ضرورة الأخذ
بالوسائل الحربية ، والاستراتيجية ، والخطط النافعة ، كما فعل الرسول صلى الله عليه
وسلم ؛ حيث استخدم المنجنيق ، وكان أول ما رمي به في الإسلام .
ويستفاد أيضاً
ضرورة التشاور وخاصة وقت المحن والشدائد ، وعدم التفرد باتخاذ القرار ، فالرسول صلى
الله عليه وسلم شاور في فك الحصار ، وذلك لبيان أهمية هذا المبدأ العظيم مبدأ
الشورى .
وقبل هذا وذاك نستفيد من أحداث هذه الغزوة ما كان عليه الرسول صلى الله
عليه وسلم من رحمة وشفقة بالآخرين ، ولو لم يكونوا مسلمين ، لأن مهمته تتمثل في
هداية الآخرين وليس النيل منهم والكيد بهم ، وفي دعوته صلى الله عليه وسلم لثقيف
-وليس الدعاء عليهم- أبلغ دليل على ما ذكرنا .
نسأل الله أن يوفقنا للصواب في
أعمالنا وأقوالنا ، وأن يجعلنا دعاة حق لدينه ، والله الموفق ، والحمد لله رب
العالمين .