تعقب القراصنة ، ومطاردتهم ، وإيقافهم عند حدهم ، أمر لا بد منه لاستتاب الأمن ونشر
السلام ، وهذا ما كان يسعى إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وخاصة مع الأعراب ،
والقبائل التي اعتادت القرصنة والاعتداء على حقوق الآخرين .
فكان سبب هذه
الغزوة كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد ، أنّ عيينة بن حصن الفزاري أغار في خيل من
غَطفان على إبل للنبي صلى الله عليه وسلم كانت ترعى بالغابة -موضع قرب المدينة من
ناحية الشام- فأخذها ، وقتل راعيها ، وهو رجل من غفار ، واحتملوا
امرأته.
فلما بلغ الخبر رسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، تأهب هو وأصحابه
للجهاد ، ونودي يا خيل الله اركبي ، وكان أول ما نودي بها ، فكانت هذه الغزوة ، وهي
أول غزوة بعد الحديبية وقبل خيبر .
وركب رسول الله مقنعاً في الحديد ، فكان
أول من قدم إليه المقداد بن عمرو في الدرع والمغفر ، فعقد له رسول الله صلى الله
عليه وسلم اللواء في رمحه ، وقال امض حتى تلحقك الخيول ، إنا على أثرك ، واستخلف
رسول الله ابن أم مكتوم على المدينة .
وأدرك سلمة بن الأكوع قوم غطفان -على
رجليه- وهم يستقون الماء ، فجعل يرميهم بالنبل ، وكان رامياً ، ويقول : " خذها وأنا
ابن الأكوع ، واليوم يوم الرضع " يعني : واليوم يوم هلاك اللئام ، حتى انتهى إلى ذي
قرد ، وقد استنقذ منهم بعض الإبل ، وثلاثين بردة .
ثم لحق الرسول صلى الله
عليه وسلم ومن معه سلمة بن الأكوع في المساء ، واستمر مجئ الإمداد من المدينة ، ولم
تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم وعلى الإبل ، حتى انتهوا إلى رسول الله بذي قرد
- وهو موضع ماء على مسافة يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان- ، فلما رآهم القوم
فروا هاربين ، واستعاد المسلمون الإبل كلها ، كما ثبت في الصحيحين .
وأثنى
رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة على بعض أصحابه كما في صحيح مسلم ،
فقال : (خير فرساننا اليوم أبوقتادة ، وخير رجالتنا سلمة) ، وأعطى سلمة سهمين ، سهم
الفارس وسهم الراجل ، وأردفه وراءه على العضباء في الرجوع إلى المدينة ، وذلك لما
امتاز به سلمة رضي الله عنه في هذه الغزوة .
ويستفاد من هذه الغزوة عدة دروس
، أبرزها : شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسرعة نجدته ، ومبادرة الصحابة عند
النداء للجهاد ، إضافة إلى تفانيهم في ذلك حتى إنّ بعضهم طارد القراصنة على قدمه ،
ومن الدروس إكرام الرسول لأصحاب الهمم العالية ، والتضحيات البارزة ، وكان ذلك
قولاً وفعلاً ، ويؤخذ منها تأييد الرسول للتسابق بين أصحابه ؛ حيث طلب سلمة مسابقة
أحد الأنصار في طريق عودتهم إلى المدينة ، فأجابه .